سامي كليب
لكثرة ما كرّروا أن مشكلة الحكومة اللبنانية داخلية بين الرئيس المُكلّف سعد الحريري، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه رئيس التيار الوطني الحُرّ جبران باسيل، كاد اللبنانيون يصدّقون أن كلّ القضية تتوقف على تعيين وزيرين. الواقع هو غير ذلك تماما، هو في مكان آخر مختلف، تجري تفاصيلُه في الكواليس الإقليمية والدولية، لتحديدِ شكلِ النظام المُقبل في لبنان. لذلك يبدو أن تقاطعَ المصالح بين أطراف دولية وإقليمية ومحلية يفترض انهيارا شاملا، لإعادة البناء على أسس جديدة. وكل طرفٍ يُريدُها لصالحه.
للتوضيح أكثر، دعونا نطرح بعض الأسئلة؟
ماذا حصل إذا؟
أولا: نجح الثنائي الشيعي (أي حزب الله وحركة أمل)، في دفعِ الحصار الدولي عنهما، وجذبِ كلِّ الحركةِ السياسية صوبهما. فالرئيس بري صار الراعي الرسمي للحريري (أي للزعيم السُني الأكثر تمثيلا في البرلمان وعلى الأرض حاليا)، وحزب الله بات حامي العهد وكل ما حوله (أي أنه حامي أحد أبرز الزعامات المسيحية). ناهيك طبعا عن الاحتضان الدائم من قبل برّي لحليفه وصديقه الدائم وليد جنبلاط. أي أن ” الشيعية السياسية” (ثمة من لا يحب هذا الوصف)، صارت حجر الرحى في التركيبات السياسية، لذلك انفتح عليها الفرنسيون وغازلها الروس والصينيون وغيرهم.
ثانيا: دخلت أميركا على خط لُبنان من بوابة ترسيم الحدود. وحين لم تحصل على ما تُريد، حمّلت باسيل مسؤولية الخطأ الأول فسرّب بعضُ المسؤولين الاميركيين معلوماتٍ تُفيد بأنه وعد بأمور كثيرة في مسألة ربط ترسيم الحدود البحرية بالبرية ولكنه لم يفِ بذلك فكانت نهايته السياسية أميركيا ؟ ثم حمّلت واشنطن الرئيس بري مسؤوليةً مماثلةً لاحقاً قبل أن يتلقّف الأمر، وكانت النتيجة عقوبات على جبران باسيل وعلي حسن الخليل وبينهما على يوسف فنيانوس نظرا لدوره في الوساطات الكثيرة في لبنان وعلى خط لبنان سورية. وأوصلت واشنطن آنذاك رسائل تُنذر بعقوبات أكبر تطال مسؤولين كبار وعائلاتهم، فحصلت حلحلة في مسالة الترسيم التي ما تزال حتى اليوم غامضة.
ثالثا: رأت واشنطن، في عهد دونالد ترامب، أن لا مجال لإنقاذ لُبنان بوجود كل هذه القدرات لحزب الله والتي لا تُعزّز فقط دوره في مواجهة إسرائيل والسيطرة على القرار اللبناني، وإنما توسّع وتُرسّخ دور إيران في المنطقة، فاعتمدت نظام التطويق الاقتصادي والتفكيك السياسي، ليس بدافع الغاء الحزب وهي تعرف انه لن يُلغَ، وانما على أمل أضعاف بيئته وتشويه صورته في الداخل والخارج. ولعلها نجحت الى حدٍ ما في الجانبين السياسي والاجتماعي أكثر من نجاحها في تطويقه اقتصاديا.
رابعا: حين دخلت فرنسا على خط التسويات، وتوهّم رئيسها إيمانويل ماكرون أنه سيأتي بالعصا السحرية ويحل كل المشاكل دفعة واحدة، تعرّض لصدمتين، أولهما من المسؤولين اللبنانيين، وثانيهما من أميركا نفسها التي ساهمت بتفشيل مبادرته لان المبادرة انفتحت أكثر مما ينبغي على حزب الله.
ماذا الآن؟
الأهم لم يأت بعد
لكن كلّ ما تقدّم ليس ذا أهمية كبيرة في ما هو أعمق. وما هو أعمق تُرسم خطوطُه بدقة في كواليس الاتصالات الإقليمية والدولية. ولعل السؤال الأهم الذي يُمكن أن يُطرح حاليا: ماذا لو اتفّقت فعلا واشنطن مع طهران، وماذا لو اتفقت أيضا مع حزب الله؟
ثمة تقاطع مصالح كبير قد يحصُل في أي لحظة، بشأن إعادة تركيب النظام اللبناني وترسيم الحدود وضبط التوترات واستخراج الغاز. وربما هذا هو جوهر العُقد الكأداء في لبنان. فليس واضحا بعد، أي مسار سيسلكُه لبنان في المستقبل، أي في حال حصول الاتفاق الإيراني الأميركي، وانسحابه على تفاهمات سعودية إيرانية، وفيما لو بدأت سورية تخرج فعليا من حربها بتفاهمات دولية إقليمية وبمساع لإعادة إطلاق مفاوضات إسرائيلية سورية.
لو كانت المسألة الشيعية تُعيق فعلا التفاهمات، لما كانت أميركا وبعد اجتياحها العراق، قلّمت أظافر السُنّة عبر تفكيك الجيش وحزب البعث، وتفاهمت مع الشيعة على الحُكم.
لعل مثل هذه الاحتمالات هي التي تؤخر التسويات الداخلية، ولعلّها تدفع جزءا من مسيحيي لُبنان لرفع الصوت قلقاً. فحين تفاهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صار السُنّة في لبنان وليس المسيحيون هم بوابة ” الأم الحنون” صوب المتوسط، فماذا يمنع أميركا وربما فرنسا من التفاهم مع الشيعة في المرحلة المُقبلة على صيغة سياسية أمنية طالما أن الثنائي هو الطرف الأقوى داخليا؟ الم تعرض واشنطن سابقا على الحزب، قيادة لُبنان مقابل تسوية حدودية مع إسرائيل؟ أولم تعرض على إيران صفقة كُبرى في سورية مقابل مساعدتها على ضبط انتفاضة الدواليب المحروقة في فلسطين؟ أولم تتفاهم أميركا مع سورية أكثر من مرة قبل وبعد دخول جيشها الى لبنان منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي؟
احتمال التفاهم الأميركي مع الحزب صعبٌ لا شك، لكنه ليس مستحيلا خصوصا إذا حصل التفاهم الأكبر بين طهران وواشنطن؟ فمصلحة الطرفين إعادة النظر بالنظام اللبناني، لكن لكلٍّ منهما وجهةَ نظره … على الاقل حتى الآن.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…