ثقافة ومنوعاتمقال اليوم

عيد الأب من العصر البابلي حتى الحاضر

كامل العريضي

في الواحد والعشرين من حزيران يحتفل عادة في لبنان والعديد من دول العالم بعيد الأب الذي يعد احياؤه جديدا إلى حدٍ ما في العديد من الدول العربية. علما أن تكريم الأب واحترامه هما من صلب القيم والفضائل الأخلاقية في الأديان السماوية. قال تعالى في كتابه العزيز: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً”.

وقال أيضا عز وجل: “أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ”. وجاء في الحديث الشّريف: عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول:” الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه”.

كما وترد الوصية «أكرم اباك وأمك» عدة مرات في الكتاب المقدس. وجاء أيضا: “أكرم اباك بفعالك”. ونطق الإنجيل أيضا: “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ”.

كل هذه الآيات الكريمة تدل على ضرورة بر الوالدين والإحسان اليهما، وعدم التأفف في وجهيهما، أو الصراخ عليهما؛ لأن هذا الفعل الشنيع يدخل في معصية الله وغضبه. بل يجب إكرامهما، والعناية بهما. وهل أبلغ وأرقى من ذكر شكر الله سبحانه وارتباطه بشكر الوالدين في قوله: أنِ أشكر لي ولوالديك. وكلما بالغ الإنسان في تكريم والديه ازداد قربا من الله واستحق رضاه تعالى وتوفيقه.

أما فكرة عيد الأب وإحياء يوم خاص به، فهناك عدة روايات تتكلم عن بداية الفكرة. يقول البعض إنّ لعيد الأب أصولاً بابليّة مرتبطة بشابٍ كتب تهنئة وشكراً وعبارات تقدير لأبيه على لوح تمّ صنعه من الطّين، وقدّمه له كهدية، وكانت أول هدية تُقدم للأب ويُدعى “الميسو” وهو شاب كلداني.

هناك من يجد أن فكرة الاحتفال بالأب، وتخصيص يوم عيدٍ له، بدأت على يد سونورا سمارت دود، وهي من سكّان سبوكين في واشنطن، وذلك في عام 1909م، حين كانت تستمع إلى إحدى المواعظ الدينيّة التي ألقيت في جمعية الشّبان المسيحيّة في سبوكان الموجودة في واشنطن، والتي كانت تتمحوّر حول الاحتفال بعيد الأم وتكريمها، فكانت بمثابة إلهاما لها حول الاحتفال بوالدها ويليام جاكسون سمارت. فقرَّرت أن يكون هناك أيضاً يومٌ لتكريم الأب؛ وذلك لأنّ والدها ويليام سمارت هو الذي كان يُشرفُ على تربيتها هي وإخوانها الخمسة في مزرعة نائية في شرق واشنطن عند وفاة والدتها، حيث كانت سونورا تبلغ السادسة عشرة من عُمرها، فكتبت عريضةً تُطالبُ فيها بتخصيص يومٍ للاحتفال بالأب، واقترحَت أن يكون يوم عيد ميلاد والدها في 5 حزيران، هو يوم تكريم الأب.

وكردّ فِعلٍ على هذه العريضة، تحمَّس القساوسة في الكنيسة، إلّا أنَّ ترتيبات الاحتفال احتاجت مزيداً من الوقت، فتمَّ الإعلان بعدها عن أوّل عيد أب بتاريخ التاسع عشر من حزيران من عام 1910م.

تم الاحتفال بعيد الأب الأول من خلال توزيع الورود على الآباء، حيث تم تزويد الحاضرين بسلال مليئة بالورود الحمراء والبيضاء، وأُعطي كل منهم لون الوردة الّذي يدل على حال والده؛ فالورود الحمراء رمزت للآباء المتواجدين على قيد الحياة، بينما أعطيت البيضاء منها لمن توفّي والده، وفي نفس الوقت فقد خصصت سونورا عربة تجرّها الخيول لتطوف في أنحاء المدينة لتوصيل الورود والهدايا للآباء الموجودين في المنازل.

وتُشيرُ روايات أُخرى إلى أنّ فكرة عيد الأب جاءت من الاقتراح الذي قدَّمه جريس جولد كلايتون لوزير الكنيسة الميثوديّة المحلّية، في 5 تموز من عام 1908م؛ لتخليد ذكرى 361 رجلا قُتلوا في انفجار أحد الألغام، ومنذ ذلك الوقت، اكتسبَ هذا اليوم شُهرة وطنيّة.

وفي ١٨ شباط ١٩٥٨ أدانت السناتور مارغريت شايز سميث تجاهل الكونغرس الأميركي للمناسبة، متهمة إياه بارتكاب ذنب كبير تجاه جميع آباء الولايات المتحدة. وأضافت: يجب أن نكرّم كلاً من الأم والأب بالتساوي، أو لا نكرّم أيّاً منهما على الإطلاق.  أما الرئيس كالفين كوليدج فقد شجع الاحتفال بعيد الأب، وقدَّم ليندون جونسون إعلاناً رئاسيّاً لتكريم الآباء عام 1966م، وفي عام 1972م، أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون هذا اليوم عطلة رسميّة دائمة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويتم الاحتفال بـ “عيد الأب” في أيام مختلفة فى جميع أنحاء العالم، ففي البلدان التي يعتنق أفرادها المذهب الكاثوليكي، فإن الاحتفال بـ”عيد الأب” كان منذ القرون الوسطى في الـ 19من مارس من كل عام حيث يوافق عيد القديس يوسف النجار، وقد تم الحفاظ على تاريخ 19 مارس في بعض البلدان، حيث أصبح تقليدا موروثا، وخصوصاً فى أمريكا اللاتينية.

ومع مرور الوقت وبوجود وسائل التواصل الاجتماعي، ازداد الاهتمام بهذا العيد في الكثير من دول العالم حيث يتم تبادل التهاني وعبارات الشكر والثناء وبطاقات التقدير والهدايا للأباء الذين هم على قيد الحياة واستذكار المواقف والصور، والترحم على الذين توفاهم الله برحمته.

فسلام لأولئك الذين يتذكرون آباءهم ويبرونهم كل يوم بمناسبة، ومن دون مناسبة حيث هم أساس وجودنا، واكرامهم والإحسان إليهم دلالة على المروءة والنخوة والعزة، ووصيتي إلى كل من كان والده مازال على قيد الحياة أن أحسن إليه بكل قوتك قبل أن تندم على إغلاق بابا من أبواب الجنة والعمل الصالح لديك.

المراجع:

١- القرآن الكريم

٢- الإنجيل المقدس

٣- عيد الأب؛ عاتكة البوريني، موضوع دوت كوم؛ ٢٠١٨

٤- متى عيد الأب؟؛  غادة الحلايقة؛  موضوع دوت كوم؛نوفمبر ٢٠١٨.

٥-النهاردة عيد الأب… اعرف تاريخه وكل تفاصيله؛ محمد عبد المحسن؛ مبتدا نيوز؛ ٢١/٦/٢٠٢٠.

٦- تاريخ عيد الأب؛ مريم نصرالله موضوع دوت كوم؛ يناير ٢٠١٦.

7_ Brett,Kate McKay (14-11-2017), “A Brief History of Father’s Day”.


الكاتب: الشيخ الأستاذ كامل العريضي 

باحث بشؤون الدين

*مدير ثانوية الإشراق (المتن) – لبنان.

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button