سامي كليب:
يبني المُنتَشون تحليلاتهم على أن المناخ العام في المنطقة يتغيّر، وأن العودة الى الاتفاق النووي وما يتبعه من حوار أميركي إيراني وإيراني-سعودي وسعودي-سوري، سيُساهم في انتعاش الوضع السوري بعد أن “فرض محور المقاومة وروسيا على العالم بالقوة التخلي عن فكرة إزاحة الرئيس بشّار الأسد” كما يقولون، وأن انتعاش هذا الدور سيمتد الى لبنان نظرا للمصالح الكُبرى المشتركة ومسائل الحدود ومحاربة الإرهاب واستغلال الثروات الغازية، ونظرا أيضا لعجز الجماعة السياسية في لبنان عن إنتاج حل بلا وصيّ خارجي، ما قد يدفع العالم الى التفكير مجددا بهذا الخيار.
أما القلقون فهم أنواع: بعضُهم كان سابقا من حلفاء دمشق وانقلب عليها وراهن على سقوط النظام، وهؤلاء يتلقون نصائح من روسية ودول عربية بضرورة تغيير لهجتهم حيال دمشق، لان مصير البلدين مشترك ولان عودة العلاقات قوية أمر حتمي . وبعضهم الآخر يلجأ الى إعلان أفكار التدخل الدولي أو الحياد أو الفدرالية، منعا لتكرار تجربة مريرة سابقة، ويعتقدون أن الاعتماد على الخارج سيحد من خطر حزب الله وسورية وكل المحور.
وأما العُقلاء في الجانبين فيحاولون التخفيف من غلواء الطرفين، ويعتبرون أن هذا الأمر ضربٌ من الوهم في الوقت الراهن، فلا سورية راغبة بالعودة الى لبنان أصلا ، ولا هي قادرة، حيث ان همومها الداخلية كثيرة وجزءاً من أرضها ما زال خاضعا للتركي والأميركي وقسما من ثرواتها تحت السيطرة الكردية، ولا حزب الله الضامن مصالحها ومصالح محوره بحاجة الى دعم سوري مُباشر في لبنان فعنده ما يكفي من كل وسائل الضغط والإقناع ، ولا الدول الأطلسية وفي مقدمها أميركا ستقبل بهكذا خطوة الاّ إذا كان هدفها مواجهة حزب الله، وهذا بعيد المنال ومستحيل الحدوث نظرا لاستراتيجية العلاقة المفصلية بين المربّع الاستراتيجي أي: إيران، وسورية، والحزب، وروسية.
لكن الأكيد أن الانفراجات الكبرى في المنطقة، لو استمرت، فهي ستجعل دمشق قادرة على منع أي أعاقة لتأمين مصالحها عبر لبنان، حتى لو استوردت نفطا وغذاء ودواء عبر التهريب ومن خلال معابر غير قابلة للضبط. وأن مؤيديها سيشعرون بتعاظم قوتهم ضد خصومهم، ثم ان المستقبل مرهون لكل الاحتمالات طالما ان الجماعة السياسة القاصرة في لبنان غالبا ما فتحت أو شرّعت الأبواب لكل الخارج.
ربما من المفيد القاء نظرة على بعض ما جاء في كتاب:” حافة الهاوية-وثيقة وطن” للمستشارة الرئاسية السورية د. بثينة شعبان، حول الغطاء الأميركي والعربي للدخول السوري الى لبنان في سبعينيات القرن الماضي. فهكذا قراءة لبعض أجزاء الكتاب توضح تماما، أن أي كلام عن دخول سورية بحاجة الى غطاء كبير على الأقل من أميركا والسعودية، وهذا غير متوفر حاليا، وبطبيعة الحال روسيا لا تجد مصلحة فيه…على الأقل حتى الآن.
كتاب شعبان، يتضمن محاضر جلسات كثيرة، وبينها الصدام الكبير الذي حصل بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وقائد الحركة الوطنية الشهيد كمال جنبلاط، حين قرّر الأسد لاعتبارات كثيرة وقف الحركة الوطنية والقوى الفلسطينية عن التقدم صوب مناطق اليمين المسيحي والسيطرة على القرار اللبناني وتغيير الوجه السياسي للبنان، وهي تقول إنه فعل ذلك لعدم رمي أطراف مسيحية لبنانية في حضن إسرائيل، بينما جنبلاط كتب وقال الكثير عن ان الهجوم السوري كان خطأ كبيرا لأنه منع المد العربي الوطني في لبنان وأعاد انتاج قوى يمينية متعصّبة.
التفاهم الكبير الأميركي السوري.
وهنا نورد حرفيا ما جاء في الكتاب الذي رصد تاريخا عميقا من العلاقات السورية الأميركية في المنطقة:
+ البرقية الأولى: ” ان الحكومة الإسرائيلية أبلغت الحكومة الأميركية أنها التزمت الصمت حيال دخول القوات السورية الى لبنان، بعد التأكيدات التي تلقتها من الولايات المتحدة بشأن طبيعة المهمة التي تقوم بها. ولكن إسرائيل ترى أن حجم هذه القوات وامتدادها، قد وصلا الى حافة الهاوية، وأن اية زيادة أو أي تقدم يتخطى نقاط تمركزها في الثاني عشر من هذا الشهر سيحمل إسرائيل على اتخاذ الإجراءات المتعلقة بسلامتها”
+ البرقية الثانية: لقد ضغطنا خلال الإيام الماضية بشدة على الإسرائيليين ليمتنعوا عن إصدار أي رد فعل تجاه إدخال قوات سورية وعتاد ثقيل الى لبنان. وفي الثاني عشر من هذا الشهر (نيسان 1976) أعلمتنا الحكومة الإسرائيلية بأنها تعدّ الأعمال السورية في لبنان قد وصلت الى نقطة ستجد فيها إسرائيل نفسها ملزمة باتخاذ تدابير وإجراءات خاصة بها إذا تم تخطيها. ونحن في الولايات المتحدة قلقون من أن ينشأ انطباع في سورية بأن غياب رد فعل إسرائيلي علني يعني عدم اهتمام من إسرائيل بالإعمال السورية”
كتب الأسد ردا على البرقيتين بخط يده فورا وطلب من مورفي إيصاله لكيسنجر:
بعد أقل من 48 ساعة، أرسل كيسنجر الى الأسد برقية أخرى ينفي فيها أنه ناقش أي “خطوط حمر:” سواء في السر أو في العلن.
لم يكن الرئيس السوري مستعدا للإخفاق في لبنان، لأن ذلك سيعرّض سورية نفسها للخطر، وبدأ صبره على (كمال) جنبلاط و (ياسر) عرفات بالنفاذ، كما انه انزعج من الهجمة العربية ضده، ولا سيما تلك التي شنها السادات.
واضح من كتاب بثينة شعبان أن اتفاقا أميركيا سوريا كاملا حصل في ذاك الوقت للدخول الى لبنان، وان اتفاقا اميركيا-إسرائيليا رديفا حصل. وهذا يطرح إشكالية أخرى راهنا تتعلق أيضا بموقف إسرائيل لو شعرت أن ثمة عودة سورية الى لبنان مع الوجود القوي الكبير للحزب وسلاحه. وهذا أيضا لو أضيف الى ما تقدم من أسباب يؤكد أن الكلام عن عودة سورية هو ضرب من الوهم، الا في حالة واحدة وهي اتفاق بين الجيشين السوري واللبناني على ملاحقة الإرهاب عند الحدود الشمالية. وهذه مسألة تحتاج الى نقاش آخر.
كتاب “حافة الهاوية”. صادر عن دار بيسان للنشر في بيروت.
مرح إبراهيم يتساقط الثّلج بصمتٍ خلفَ نافذة الصّباح، ويغزو الجليدُ أرصفةَ الشوارع. تستغرقُ سكينةُ التأمّلِ…
Et si le maquillage n'était pas seulement une affaire de femmes ! Nadine Sayegh-Paris Même si…
ترجمة عن صحيفة هآرتس لو جاء كائن من الفضاء وشاهد من فوق ما يجري، ماذا…
ناقش ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الحادي عشر، الذي نظَّمه مركز الإمارات للسياسات، على مدار يومي…
Quand le changement de l’heure devient une affaire d’état ! Nadine Sayegh-Paris ‘Heure d’été’, ‘heure…
Guillaume Ancel ( كاتب فرنسي) ترجمة : مرح إبراهيم فاز دونالد ترامب فوزًا واضحًا،…