آخر خبرافتتاحيةمقال اليوم

 تبّون عشية الانتخابات الإصلاحية: عصر الجاهلية ولّى

 سامي كليب:

                 تستمر الجزائر في رسم معالم طريق عصر جديد، رغم استمرار صعوبات الداخل وأطماع الخارج، وتجري غدا السبت إنتخابات تشريعية يُنتظر أن تُفسح في المجال أمام عدد لا بأس به من المستقلّين للدخول الى البرلمان على حساب أحزاب تقليدية رغم مقاطعة الاحزاب الليبرالية واليسارية، وذلك بعد ثورة أطاحت بعهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة  وبمجموعة الفساد التي أحاطت به والذي استمر 20 سنة في الحكم، ثم أستُكملت بمحاسبة كبار القوم وبينهم كبار الضباط الذين ما كان أحد حتى الأمس القريب يجروء على ذكر أسمائهم بقضية فساد، بينما نرى صورهم ومحاكماتهم اليوم على صحفات الجرائد.

          أعطى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون العناوين العريضة لهذه الانتخابات التي تنتظر مفاجآت عديدة، فقال :” إن عهد الجاهلية ولّى، وكل صوتٍ له قيمته، وان عهد الكوتا ولّى، وإن انتخابات 12 يونيو  تُعطي للشباب والمثقّفين فرصةً للتمثيل الحقيقي ونجاح من يختارهم الشعب” مذكّرا بالقانون الجديد الذي يمنع استخدام المال الفاسد في الانتخابات.

 

         هذه الانتخابات التي تجري وفق قانون جديد يمنع ما نصفه في الشرق ب ” المحادل الانتخابية المبنية على مال فاسد” ، ستكون باروميتر الإصلاحات الموعودة من قبل الرئيس تبّون بعد الثورة التي أجبرت بوتفليقة على الاستقالة في العام 2019، هي إنتخابات مُبكرة وجاءت بعد حل مجلس الشعب في شباط/ فبراير الماضي ، كما انها تأتي بعد تصويت الشعب على تعديلات الدستور التي تمنح رئيسي الوزراء والبرلمان سلطات إضافية . ومنذ الخميس بدأ جزائريو الخارج بالتصويت وغالبا ما تكون الجالية الجزائرية في فرنسا صاحبة الكلمة الأكبر حيث أن لها تاريخيا نصف المقاعد الثمانية في الخارج. كذلك بدأت الانتخابات منذ الخميس في المناطق النائية

ما هو المُنتظر إذاً:

  • لعلّ الإنجاز الأكبر لو تحقّق في هذه الانتخابات كما يريد العهد الإصلاحي، يتمثل بالمستقلّين، فقد كان لافتا أن اللوائح الانتخابية لهؤلاء فاقت كل التوقّعات، بحيث وصلت الى 837 لائحة من أصل 1483، ما يعني أن البرلمان الجزائري المُقبل سيشهد وجوها شبابية أو مستقلة عديدة رغم المقاطعة، ومن المنتظر أن يحصل المستقلون على نحو 80 مقعدا.
  •  جبهة التحرير التي كان الرئيس تبّون نفسه أحد مناضليها ( والتي حكمت البلاد منذ الاستقلال حتى مطلع التسعينيات) تبدو بين رأيين، فثمة من يقول انها قد تتراجع ولو بنسبة طفيفة، وآخرون يؤكدون انها قد تُحدث مفاجأة ذلك أن مقاطعة الأحزاب الأخرى قد تجعل النتائج تصب في صالحها مع الحركة الاسلامية والمستقلين، لكنها في جميع الاحوال لن تحافظ على عدد نوابها الحاليين وانما ستفقد نسبة منهم.
  • من المنتظر تراجع حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة الطيب زيتوني فمن سابع المستحيلات ان يحافظ على حصته السابقة التي وصلت الى 100 مقعد في انتخابات 2017. لا شك ان الحزبين اللذين تحالفا سابقا في عهد بوتفليقة قد يشهدان تراجعا، وهما في جميع الأحوال لن ينجحا في تأمين أغلبية برلمانية خلافا لما كان وضعهما سابقا، وهذا التراجع يُناسب الخطاب الاصلاحي للرئيس الذي يعد شعبه بجزائر جديدة مناهضة لعصر ” الجاهلية” الانتخابي.
  • الحركة الاسلامية بكل تفرّعاتها هي تحت المجهر، ذلك أن الآراء تختلف بشأنها ، فعددٌ لا بأس به من المراقبين يقول إن الحركة قد تحقق فوزا لافتا خصوصا بعد مقاطعة أحزاب وأطراف ديمقراطية وليبرالية ويسارية، وبعد انهيار شعبية أحزاب تقليدية وطنية، لكن آخرين يقولون بضرورة عدم المغالاة قياسا الى انتخابات سابقة. يبدو حتى الآن ان الرأي الأول هو المُرجّح.

يُشار الى أن الحركة المنقسمة على الأقل الى 3 أطراف والتي عرف بعضُ أحزابها انشقاقات، كانت قد حقّقت تقدما لافتا في خلال الاستفتاء على الدستور الذي عارضته، حيث حصدت تقريبا خُمس الأصوات أي أكثر من مليون و600 ألف صوت من أصل 5 ملايين و 662 ألف صوت.

  • أحزاب المعارضة الليبرالية أو اليسارية والعلمانية تُقاطع وسوف تُشكّك بالنتائح، وأبرز المقاطعين هي التيارات الممثلة لقطاعات وازنة من “الأمازيغ” ( البربر) أي جبهة القوى الاشتراكية التي تحدثت عن ” غياب المناخ المُناسب لتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات” ، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية  الذي قال إن “الرغبة في إعادة بناء الدولة والمجتمع اليوم على أنقاض النظام القديم لا يمكن أن تحظى بتأييد المواطن ولا يمكن أن تكون مرادفة لجزائر جديدة”. وكذلك حزب العمّال  الذي قالت أمينته العامة لويزا حنّون  إن “الاستحقاق الانتخابي يخلو من قواعد المنافسة وأن  التشريعيات ستكون موعدا للقضاء على التعددية الحزبية”.

 

  • المُراهنة الآن هي على نسبة التصويت، لمعرفة مدى تقبّل الشعب للاصلاحات والحكم الحالي والرغبة في المضي قدما بنقل البلاد الى مرحلة جديدة، خصوصا ان نسبة الذين صوتوا على الاستفتاء على الدستور  كانت ضعيفة ولم تتخط 23،7 بالمئة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2020، كما أن الكثير من الأحزاب والجماعة السياسية المُعارضة تُقاطع هذه الانتخابات.

بإنتظار نهاية هذا الاستفتاء ، فإن الأكيد، ان البرلمان الجزائري المُقبل سيكون مُختلفا عن كل ما سبق، بحيث يُمثل خليطا جامعا للكثير من الأحزاب والمستقلين. ولو حصل ذلك فتكون بداية جيدة لشيء مختلف، وهي بداية مطلوبة وضرورية بالنسبة للرئيس تبّون وعهده، أولا لكي يسحب البساط من تحت أقدام المُقاطعين ويُظهر أن الانتخابات جرت في جو تنافسي جيد، وثانيا لكي لا تستغل بعض دول الخارج غضب المقاطعين وتشكك علنا أو ضمنا بالنتائج، خصوصا أن بعض هذه الدول وخصوصا فرنسا ليست على ما يُرام حاليا في علاقتها مع قيادة تبّون الذي لم يتردد في مطالبتها بتنظيف تاريخها الاستعماري في بلاده وتنظيف مخلفات تجاربها النووية على أرض الجزائر واعادة الأرشيف العثماني المتعلق بالتاريخ الجزائري.

لا شك، أن غدا السبت، سيكون يوما مختلفا في الجزائر، التي تحاول رسم معالم نظام جديد صوب الديمقراطية الحقيقية رغم العقبات.  فهل ينجح الرئيس تبّون حيث عجز غيره؟

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button