تقرير استراتيجي حول إيران وأميركا والسعودية وسورية فلبنان
سامي كليب :
حين زار وفدٌ من حزب الله بقيادة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني الحاج محمد رعد موسكو في آذار/مارس الماضي، والتقى عددا من المسؤولين الروس وفي مقدمهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، كال لهم مضيفوهم المديحَ بشأن قدراتهم وتكتيكاتهم العسكرية التي جمعت الطرفين في الحرب السورية، وقال لهم مسؤول العلاقات الدولية في البرلمان الروسي ” الدوما” : ” إنكم تتصرفون كجيش فعلي لكن بصفة مقاومة” وجرى الاتفاق على تطوير وتعزيز العلاقات، وهو ما بدا في حينه رسالة روسية واضحة الى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن حول استعداد موسكو لتوسيع شبكة علاقاتها وازعاجه في حال استمر بتوجيه الهجوم ضد الكرملين.
كان الإعجاب الروسي الصريح، يتركز خصوصا حول سرعة رد الفعل عند مقاتلي الحزب على الجبهات، وتغيير الاستراتيجيات سريعا في حال إعترضهم عائقٌ أو مفاجأة، إضافة الى معرفتهم الدقيقة في كشف الكمائن على الأرض، وهذا كان ضروريا لتكامل معركتي الجو والأرض بين روسيا والجيش السوري وقوات الحزب.
يقول مصدر روسيٌ قريب من أجواء تلك اللقاءات في موسكو، أن بعض المسؤولين الروس كادوا يتحدثون بشيء من السخرية بشأن الطلبات الغربية من إيران والحزب الانسحاب من الأراضي السورية وذلك لمعرفتهم بأن هذا ليس واردا في المرحلة الحالية وربما لفترة طويلة، كما أن الحديث تطرّق بعمق للهجمات الاسرائيلية المتكررة على سورية، وكان رأي الحزب أنه حين كان الأمر يتعلق بعدوان اسرائيل على قافلات للحزب، أو على قوات او مواقع إيرانية، فقد كان هذا مفهوما في إطار الحرب المستمرة بين الجانبين، أما ان تهاجم اسرائيل الجيش السوري وأمام أنظار روسيا، فهذا يتطلب موقفا روسيا أكثر حزما، ويبدو ان الجانب الروسي وبسبب حراجة العلاقة مع إسرائيل، حاول التخفيف من وطأة هذا الأمر، وتحدث عن اللجنة الدستورية السورية، متمنيا على الحزب ومن خلاله طهران محاولة إقناع الرئيس السوري بشّار الأسد ببعض الحللحة في هذا الأمر، وهو ما يشير الى أن موسكو نفسها تعتمد على إيران في سورية أو ربما تتكامل معها.
ولا شك أن طهران وقفت اقتصاديا الى جانب دمشق بشكل لافت خصوصا مع توريد باخرات النفط، وأن الجانب السوري نظر الى إيران كحليف استراتيجي أول يقينا منه بأن الجانب الروسي كان يمكنه أن يفعل أكثر من هذا وان يتحدى قوانين قيصر، لكنه لم يفعل لحسابات استراتيجية مع واشنطن.
أميركا ايران
في موازاة هذا التنسيق الروسي الإيراني، والاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية الصينية، قرّر الرئيس الاميركي جو بايدن منذ وصوله الى البيت الأبيض الإنفتاح على طهران في سبيل العودة الى الاتفاق النووي. كان هدفه من خلال ذلك استئناف ما كان قد بدأه قبله رفيقه في الحزب وصديقه الشخصي والعائلي الرئيس السابق باراك أوباما لأن في الاتفاق مصلحة لأميركا وإيران ولأنه ينطلق من قناعة بأن الحوار مع طهران كفيل بردع دبلوماسي للبرنامج النووي الإيراني، وباقناع طهران بتعديل دورها في المنطقة.
كل المؤشرات والمعلومات تُفيد اليوم بأن الإتفاق الجديد بين طهران وواشنطن صار شبه ناجز، وأن ثمة قضايا بسيطة ما تزال تعيقه، واذا ما تم حلّها قريبا، فإن الاعلان عن الاتفاق سيكون بين الانتخابات الرئاسية الأيرنية في 18 الجاري التي ستؤدي على الأرجح الى فوز إبراهيم رئيسي، واستلام الرئيس الجديد السُلطة، بحيث يكون الاتفاق في هذه الحال قد جرى مع المحافظين وليس مع عهد الرئيس الحالي حسن روحاني.
ورغم كل أجواء التفاؤل الحالية، فإن المقرّبين من إيران يدركون أنها تحافظ على حذرها الشديد، وتكاد تكون معدومة الثقة بالجانب الأميركي، ولذلك فهي ستقرّر التعامل مع كل مرحلة بقدر ما تستحق دون أي مغالاة أو اندفاع، وتضع في الحسبان كل الاحتمالات بما في ذلك احتمال العودة الى التعثّر بسبب ضغوط داخلية او خارجية على بايدن.
إيران والسعودية
تفيد المعلومات الموثوقة عن حصول لقاءين فقط بين الجانبين الإيراني والسعودي في بغداد وبرعاية من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي وخلافا لكل ما يقال عن أنه أميركي النزعة، الا أن الواقع يقول إنه جاء أيضا الى السلطة بدعم من جهاز مخابرات ” إطلاعات ” الإيراني ولذلك فهو يتمتع بهامش حركة تتقاطع فيه علاقاته الأميركية والإيرانية فيحقق نتائج أفضل من تلك التي عرفها العراق في عهد أسلافه.
اللقاءان السعودي والإيراني في العراق جمعا، من الجانب الإيراني، نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد إرفاني ومسؤولين من الحرس الثوري والمخابرات ، ومن الجانب السعودي ، رئيس جهاز الاستخبارات خالد الحميدان ومساعدين له.
أجواء اللقائين كانت جيدة، وتركز النقاش على تبريد الأجواء بين الجانبين، وقضية حرب اليمن، ويبدو أن الجانب الإيراني لم يكن متحمّسا لبحث الملف اليمني، وقال أنه لا يسمح لنفسه بأن يفاوض مكان أنصار الله من جهة، وليس مكلّفا من قبلهم، وأنه لو فاوض فهو سيكون الى جانبهم كطرف وليس كوسيط. وكان اعتقاد الجانب الإيراني هو ان ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، يريد من الانفتاح على طهران تسهيل طريق انهاء حرب اليمن بأسرع وقت، بينما الجانب الايراني يريد فصل الملفين، اي العلاقات الإيرانية السعودية، وملف اليمن.
لكن التباينات لم تلغ تبريد الأجواء، بل بالعكس تماما، فالأمور تسير على نحو جيد واللقاءات ستُستأنف بعد موسم الحج، وثمة اتفاق مبدئي على اعادة فتح القنصليات في السعودية وإيران وذلك بعد اعادة تجهيز السفارة السعودية في طهران والتي تعرّضت لبعض التخريب سابقا.
يقول دبلوماسي عربي قريب من أجواء تلك اللقاءات، أن الجانب الإيراني يبدو أكثر تشددا من السعوديين في هذه المحادثات، معتقدا أن السعودية بحاجة الى انهاء حرب اليمن وتوجيه رسائل الى أميركا لتخفيف ضغوطها، وربما هذا ما يدفع طهران الى الإيحاء بأنها على غير عجلة من أمرها للحصول على مكاسب أكبر .
سوريا :هل تستفيد؟
يعتقد الدبلوماسي العربي نفسه، أن المناخ الإيجابي الذي عكسته هذه اللقاءات الايرانية السعودية على أرض العراق، لم تكن لتحصل لولا الأجواء الإيجابية الأميركية الإيرانية او ربما بفضل تدخل أميركي في مكان ما، وهذا ما قد ينعكس إيجابا في وقت لاحق على الملف السوري خصوصا اذا ما افضت القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي والروسي جو بايدن وفلاديمير بوتين الى شيء من الحلحلة.
وقد ظهر من خلال الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت وفق شروط دمشق رغم كل الاعتراض الغربي، ووفقا للدستور القائم وليس بناء على المفاوضات مع المعارضة او اللجنة الدستورية، كما ظهر من خطاب الرئيس السوري بشار الأسد بعد الانتخابات، أن دمشق تتصرف من موقع القوي رغم الوهن الاقتصادي الخطير، وأنها افادت من المناخات الايجابية الايرانية الأميركية ومن الانفتاح السعودي عليها بعد الاماراتي والبحريني وغيرهما، كما أفادت على الارجح من الهبة الشعبية العربية لصالح فلسطين، حيث انتعش الشارع السوري والعربي بشكل عام بعد سنوات من الحروب والدمار وبعد الشعور بأن صفقة القرن قادمة لا محالة، وان المحور الذي تقوده إيران قد انهزم سياسيا.
ماذا عن لبنان؟
يبدو ان وضعه هو الأسواء بين كل الأوضاع الأخرى. فلا أحد يريد تحمّل مسؤولية تأليف حكومة ستواجه رفع الدعم وغضبا شعبيا، ويتجه معظم الأطراف الى الاستعداد للمرحلة المقبلة، اي الإنتخابات التشريعية، على أمل ترسيخ عدد نوابهم او تقليل الخسائر، خصوصا في ما يتعلق بالتيارين ، اي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل.
لكن اللافت كان في الساعات الماضية خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فهو بدا أكثر حزما وحمل رسائل وانذارات باتجاهات مختلفة، أبرزها أنه ما لم تقم الدولة بدورها في التخفيف من أزمات الوقود والبنزين وغيرها فان الحزب سيذهب الى طهران ويوقّع اتفاقا معها للاتيان بالوقود وبالليرة اللبنانية ودون تحويلات مصرفية.
كما ان نصرالله جزم بأن بالانتخابات ستجري في موعدها وان لا انتخابات سابقة لاوانها ( وهنا تعمّد التلميح في الهجوم الى القوات اللبنانية دون تسميتها وربما أيضا الى حزب الكتائب). وقال إن لا حل في لبنان الا من خلال تشكيل حكومة، ومهّد الطريق لفترة اقتصادية واجتماعية صعبة والاستعداد لها مطالبا مجلس النواب باعتماد البطاقة التمويلية.
قد يُفهم أن هذا الكلام هو ” لهز العصا” للحلفاء والخصوم في الداخل بغية تسريع تأليف الحكومة، لكن الأكيد أيضا انه رسالة الى الولايات المتحدة الاميركية التي يتهمها بعرقلة الانعاش الاقتصادي، وتفيد الرسالة بأن الخيار الإيراني هو البديل ما لم تتألف الحكومة، وان مناخات المنطقة تتغير لصالح المحور.
لا شك ان الحزب أعد خطة طواريء بديلة في مجالات اقتصادية عديدة، وأنه لن يعلن عنها الا في حال اعلان الافلاس الأخير لما بقي من سلطة في لبنان، لكن الواضح أن لهجة نصرالله تتوافق مع المناخ العام في المنطقة، بحيث أن إيران وسوريا وحلفاءهما يشعرون بأن الرياح ستجري لصالحهم في المرحلة المقبلة، وأن بداية التغيير التي لوحظت في تعاطي الحزب الديمقراطي الأميركي مع اسرائيل في خلال الاسبوعين الماضيين ، قد يُشجع الإدارة الأميركية على المضي قدما في تغيير المناخات حيال إيران رغم القلق الاسرائيلي المُبالغ فيه.
لعل هذا ما يُفسر التشدد الإيراني، وارتفاع لهجة الخطاب السوري، وتحدث نصرلله من موقع القوة، خصوصا ان كل هذا تزامن مع تحول جدي وعميق في طبيعة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ومع الاتجاه فعليا لانهاء حرب اليمن مع ما سيعكسه ذلك على فرض مساحة واسعة للحوثيين في حكم اليمن.
لا شك ان المنطقة أمام لحظات مفصلية، تستند خصوصا الى مآلات الحوار الايراني الأميركي، والى طبيعة العلاقات الروسية الأميركية في المرحلة المقبلة. وهذا بحد ذاته مرشّح لكل الاحتمالات، لكن الواضح الآن ان احتمال الانفراجات والتوافقات هو الطاغي.أما اسرائيل التي تشعر أنها بين الخاسرين فسوف تستمر في محاولة تعطيل ما يجري، عبر الضغط على بايدن والاستمرار باستهداف حزب الله وايران وسورية، وربما يحاول نتنياهو الذي يخسر حاليا كل شيء أن يوتر الأجواء أمنيا الى أقصى حد لمنع تشكيل حكومة تنهي حياته السياسية.