شباب 20

السوريون انتخبوا واحتفلوا، ويريدون الآن خُبزا وأملا.

نادين عبدالله

تجاوزت الساعة الثانية عشر منتصف الليل وأُغلقت صناديق الاقتراع بعدما تم تمديد المدة الزمنية المقررة للانتخابات لخمس ساعات إضافية، لكن احتفالات السوريين بهذا اليوم لم تنتهِ حتى مطلع الفجر . ربما لم يصدّق من شاهد في الإعلام منذ أيام الإقبال الكبير على انتخابات الرئاسة السورية،وهذا أمر طبيعي فما حصل فاق توقعات المؤيدين للنظام السوري قبل معارضيه . فالسوريون يعلمون جيداً وكل من تابع الحرب السورية عن كثب ماتعنيه مشاركة منطقة الحولة وبابا عمرو في حمص –التي انطلقت منها ماسميّت ب”الثورة” . كما يعملون أيضاً ما تمثّله مشاركة أهالي أبو الظهور وخان شيخون في إدلب حيث ارتكبت أبشع المجازر  وكذلك في غيرها من المناطق التي احتلها المسلّحون وغزاها الإرهاب و أدمت قلوب أمهات سوريات فقدن أغلى مافي حياتهن فداءً للوطن.

من إحدى ساحات المعارك سابقاً ومعقل ماعُرف ب”جيش الإسلام” ، من “دوما” في محافظة ريف دمشق شارك الرئيس بشار الأسد وعقيلته بالاستحقاق الرئاسي وسط ترحيب واحتضان من الأهالي فيها. كان للمشاركة رمزية خاصة للقول بأن الدولة عادت تُسيطر على معظم المناطق وأن زمن المعارضة والمسلحين الذين جاؤوا من كل أصقاع الأرض قد انتهى.  وهذا ما يُفسر رفعُ صور الرئيس   في معظم المناطق السورية ذات التاريخ الحديث المؤلم والدموي. إذاً هي رسالة واضحة وضوح القمر في سماء سورية ليلة 26 أيار 2021. تقول الرسالة : “إليكم يا من تصنعون قرارات العالم وتمسكون بمقاليد اقتصاد الأرض ،وتشنّون حروباً ضروساً ميمنة وميسرة وتهددونا بلقمة عيشنا بينما تنادون بحقوق الإنسان، نقول لكم جميعاً نحن السوريون شعبٌ لا يهزم ، شعبٌ سيختار أبداً سورية أولاً.”

هكذا أعلن السوريون أنهم شعبٌ “واحد” بكل أطيافه ومكوناته المتفردة .حيث ترفّعوا عن أحقادهم،عن جراحهم ، عن خساراتهم الكثيرة إبّان العشرية الماضية فأمام الوطن تصغر التضحيات.

إنّ السوريين احترموا الشهداء وتراب البلد الذي خضّب بدمائهم الزكيّة. هم احترموا مؤسسات الدولة ولبّوا نداء الأم سورية. شاركوا بالاستحقاق الرئاسي ، يحدوهم الأمل  بالعمل الحقيقي الصادق العادل  بماسينقذ البلاد والعباد وينهض بهم من تحت الرّكام.

ضحّى السوريون كثيرا لأجل بقاء الوطن. تحمّلوا ويلات الحرب وجور الحصار والفقر، لذلك هم ستحقون  الآن حكومة تعمل ليلا نهارا لانقاذ الوطن  ، حكومة تصيغ القوانين الحديثة لتنهض بالواقع الاقتصادي المرير الذي لا يخفى على أحد. هم يستحقون خبزاً جيداً وكهرباء وبنزين وغيرها من ضروريات الحياة الكريمة التي أقلقت راحتهم لأشهر طوال قبل الانتخابات. يستحقون حكومة تعمل على نسج علاقات دبلوماسية بمرتبة جيدة مع الإخوة العرب. يستحقون حكومة تبتكر المشاريع لتخلق فرص عمل للشباب الواعي المتعلم والطموح. يستحقون قوانين مشجعة للاستثمار وتجذب الابن المغترب لينتعش الداخل. الجميع يعلم أن الحصار واسع والعقوبات مُقيِّدة ، و يعلم أيضا أن الأرض غنيّة إلا أن خيراتها تسرق في الشمال والشرق أو تضيع في سراديب الفساد. لكن الجميع مؤمن أنه لا مستحيل بالعمل الصادق ، فالكثير من دول العالم نهضت بفضل العمل الجاد والمحاسبة الصارمة وجذب الاستثمارات، ولعلّ التجربة السنغافورية خير مثال يحتذى. هم تحوّلوا من جزيرة فقيرة غارقة في أتون النزاعات الطائفية يمزّقها الفساد، ويبكي رئيس وزرائها على الملأ إلى أهم اقتصادات العالم اليوم بل وتصدرت قائمة التنافسية العالمية لعامي 2019-2020 . هم تبدّلوا من شعب أمّي إلى أحد أكثر الشعوب علماً وتحضراً ورخاءً فيبلغ متوسط دخل الفرد شهرياً أكثرمن 4 آلاف دولار. كل ذلك وأكثر لأنهم استثمرا بالإنسان والعلم والصناعة فتقدّموا 80 ضعفاً عن ماليزيا التي تكبرها ب 450 مرة . فعسى أن يجد المسؤولون في سورية من برلمانيين أو ممن سيتولون الحقائب الوزارية مايجذب انتباههم في تجارب دول العالم المتطورة اليوم فيحاكونها، أو ما يوقظ ضمائرهم فيجتهدوا في المرحلة المقبلة لإعمار سورية العزة والكرامة ، وبناء سورية التطور والتكنولوجيا وتأمين حياة حرّة كريمة تليق بأبناء مهد الحضارات وأعرق عواصم العالم.

————————————-

نادين عبدالله إعلامية-دمشق

Related Articles

One Comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button